صُحفيٌّ إيرانيّ مُعارضٌ لنظامِ الخُمينيّ ، غطَّى أحداث الحرب العراقيّة الإيرانيّة على أكملِ وجه ، والصّادِم في الأمر إعدامه في العراق على أنّه جاسوس لإسرائيل ..
فرزاد بازوفت ،، صحفي مستقل ، كتب مقالات سياسيّة تهتم بالشّرق الأوسط لجريدة الأوبزرفر البريطانيّة والبي بي سي .
وُلِدَ بازوفت في الثّاني والعشرين من أيّار عام ألف وتسعمئة وثمانية وخمسين ، في إيران ، وعندما بلغ السادسة عشر من عمره انتقل إلى بريطانيا مع عائلته وكان ذلك عام ( ألف وتسعمئة وخمسة وسبعين ) وأكمل دراسته فيها ، ليعمل بعد انهاءه دراسته كصحفيّ مُستقل وتخصصت مقالاته في المواضيع السياسيّة التي تدور حول الشّرق الأوسط ، وبِبدء الحرب العراقيّة الإيرانيّة عام ( ألف وتسعمئة وثمانين ) توجّه نحو تغطيّة الحرب ومُستجداتها وأحداثها وقام بتغطيتها على أكمل وجه ، ولكن ما الّذي أوصل بازوفت إلى مشنقة صدّام حسين ؟؟
كان بازوفت من المعارضين لنظام الخُميني في إيران ، لذلك قامت العراق باستدعاءه عِدّة مرات إلى العراق لتغطيّة الأحداث التي حصلت أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة التي امتدّ سعيرُها لثمانِ سنوات ، وقد تمّت دعوته إلى العراق ما يقارب السِّتّ مرّات وكتب خلالها مئات المقالات التي نُشِرت في الصّحف الأجنبيّة ، وفي المرّة السادسة دعتهُ السّلطات العراقيّة مع مجموعة من الصحفيين من جميع دول العالم إلى العراق لتغطيّة ((انتخابات المجلس التشريعي والتنفيذي لمنطقة كردستان للحكم الذاتي ) وكان ذلك عام ( ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين ) ، وخلال تواجده في العراق وقع انفجارٌ كبير في اليوم (التّاسع عشر من أيلول عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين) وقد صَدَح صوته في بغداد على الرُّغم من وقوع الإنفجار في مجمع التّصنيع العسكريّ الّذي يقع في ناحية مدينة الإسكندريّة العراقيّة في محافظة بابل ،والتي تبعد ما يُقارب الخمسين كيلو مترًا جنوبيّ بغداد .
وكان هذا الإنفجار قد وقع في معملٍ لإنتاج الصّواريخ وبالتّحديد في خطّ التجميع الّذي كان غالبيّة العاملين فيه من المصريين وأغلبهم عُلماء ، وأسفر عن مقتل عشرات الخبراء المصريين العاملين في برنامج الصواريخ العراقية متوسطة المدى ، وهذا الأمر يُشكّل لدى صُحفيّ ماهر كـ (بازوفت ) دافعًا قويًّا لمعرفة مُجريات الأحداث والكشف عنها فهي بمثابة سَبق صُحفيّ لا يتمنى أن يسبقه إليه أحد ، وعلى الرّغم من أوامر صدّام حسين بالتّكتيم على هذا الموضوع وعدم الكشف عنه وعن تفاصيله إلا أنّ بازوفت انتقل إلى مكان الحادث ليكشف مُجريات الأحداث ، وزعمت صحيفة (ذا اوبزيرفر) إن بازوفت أجرى التحقيقات بموافقة السلطات العراقية الرسمية ، وعلى الرّغم من منع السّلطات العراقيّة جميع الصحفيين من الوصول إلى مكان الحادث ومن نقل الأحداث ، إلا أنّ (بازوفت ) استطاع الوصول إلى موقع الحدث بمُساعدةٍ من مُمرّضة بريطانيّة تُدعى (دافني بارش) ، ولم يكتفِ بازوفت بالوصول إلى موقع الحدث بل قام بتوجيه الأسئلة إلى العسكريين العراقيين المتواجدين هناك ومن كان يقطن في الفنادق المجاورة والعاملين في المقاهي عن كل ما يعرفونه عن الحادثة ، فقام أحد رجال الأمن بأحد الفنادق بتبليغ المخابرات العراقيّة عنه .
وأدّى ذلك إلى اعتقاله في مطار بغداد وهو عائدٌ إلى لندن في الشّهر ذاته الّذي وقع فيه الإنفجار ، وبعد تفتيشه وجدوا في حقائبه ( أربعة وثلاثين ) صورةً فوتوغرافيّةً عن موقع الحادث وبعض عينات التربة من موقع المعمل ، وتمّ احتجازه في سجنِ أبو غريب لمُدّة سِتّة أسابع ، وتعرّض خلالها للتعذيب ، ليظهرّ في الأول من تشرين الثّاني على شاشات التّلفاز مُعتَرِفًا بأنّه كان جاسوسًا لإسرائيل ، وقامت السُّلطات العراقيّة أيضًا باعتقال المُمرّضة ( دافني باريش) ، وقبل مُحاكمتهما قام صدّام حسين بإرسال رسالةٍ إلى رئيسة الوزراء البريطانيّة في ذلك الوقت ( مارغريت ثاتشر) يُؤَكِدُ فيها أنّ بازوفت وباريش سيخضعان لمُحاكمةٍ عادلة .
وتمّت إدانةُ بازوفت بعد مُحاكمةٍ استمرّت ليومٍ واحدٍ فقط تمّ إجراؤها خلفَ أبوابٍ مُغلقةٍ ، وعلى الرُّغم من عدم وجودِ أدلّةٍ حاسمةٍ على أنّه جاسوس إسرائيليّ إلا أنّ المحكمة حكمت عليه بالإعدام شنقًا في (العاشر من آذار عام ألف وتسعمئة وتسعين) ، وحُكِمَ على المُمرّضة (باريش) بالسّجن لِمُدّة خمسة عشر عامًا ، ولكن بوساطةٍ من الرّئيس الزّامبيّ ( كينيث كاوند ) تمّ إطلاق سراحها في (السّادس عشر من أيّار في العامِ ذاته ) ، ولكنّ جميع المحاولات في العفو عن بازوفت وتخفيف حُكم الإعدام بائت بالفشل ، ولا حتّى مُناشدات الرّأفة الدّوليّة لم تُجدِ نفعًا ولم يُسمح له بإستئناف الحكم ، وتمّ تنفيذه صباح يوم (الخامس عشر من آذار عام ألف وتسعمئة وتسعين ) ، وتمّ وضع جُثّته في تابوت وإرسالها إلى عائلته في بريطانيا ، وعلى إثرِ هذه الحادثة أستدعت بريطانيا سفيرها في بغداد وألغت الزيارات الوزارية .وقد أثارت قضية بازوفت موجة من الغضب الواسع في الدول الغربية وساهمت في عُزلة نظام صدام حسين ، وما زاد الأمر سوءًا قرار صدّام حسين غزوَ الكويت مما زاد الإستياء الدّوليّ من العراق .
ومع الغزو الأمريكيّ على العراق وسقوط بغداد ، تَكشّفت الحقائق لجميع الأحداث التي حصلت في عهد صدّام حسين وذلك بعد تَسرّب الوثائق التي اخفاها جهاز المخابرات ، ليظهر فيديو مُسجّل للرئيس صدّام حسين وهو يجتمع مع بعض الوزراء والمستشارين ويخبرهم بأنّه مُصِرٌّ على إعدام الصّحفيّ فرزاد بازوفت ولن يتنازل عن ذلك ، وأنّه يجب أن يُعدم قبل شهر رمضان المبارك الّذي كان في ذلك الوقت يُصادف السّادس عشر من آذار عام ألف وتسعمئة وتسعين ، لقطع الطريق أمام طلبات الرأفة من الحكومة البريطانية.
وبعد سقوط بغداد أيضًا تمكنت بريطانيا وبالتّحديد صحيفة الأوبزرفر من إقتفاء أثر العميد السّابق في المخابرات العراقيّة " كاظم عسكر " الّذي كان مسؤولاً عن التحقيق مع بازوفت واعترف كاظم عسكر أن بازوفت بريء، لكن لم تكن لديه القوة للوقوف بوجه أوامر صدام لإدانة وإعدام بازوفت ،
![](https://i.ytimg.com/vi/JqsRBHbTEcU/maxresdefault.jpg)