ثورة العشرين
عام 1920 اندلعت ثورة ضد االحتالل البريطاني في العراق، عرفت باسم "ثورة العشرين"، وهي واحدة من سلسلة من االنتفاضات
التي حدثت في أرجاء الوطن العربي، ج ّراء عدم إيفاء دول الحلفاء بالوعود المقطوعة للعرب بنيل استقاللهم..
ما األسباب التي أدت إلى اندالع ثورة العشرين
الضغط المادي واالقتصادي المتمثل بفرض الضرائب المجحفة على أبناء الشعب العراقي والتعامل الالإنساني من قبل الضباط
العسكريين اإلنكليز المتسلطين على الواليات العراقية، كما أن الضغط السياسي أو الحجر على األفكار ومنع الشعب العراقي من التعبير
عن رأيه والمطالبة بحقه في تقرير مصيره، واختيار حكامه وحكوماته بملء إرادة سلطات االنتداب، ثم المحاوالت التي بذلتها السلطة
المحتلة لفرض نوع من السيطرة االستعمارية المباشرة على العراق، باإلضافة لعوامل أخرى اجتماعية ودينية ونفسية، قادت هذه
العوامل مجتمعة الناس إلى القيام بالثورة ضد المحتل البريطاني..
أطلقت شرارة ثورة العشرين من أرض الرميثة في 30 حزيران عام 1920 ،بعد الحادثة المشهورة التي جرت بين "هيات" الحاكم
اإلنكليزي في الرميثة الذي أساء األدب مع الشيخ شعالن أبو الجون، مما حدا بالشيخ أن يرد عليه فأمر األخير باعتقاله، حينها بعث
الشيخ شعالن برسالته المعروفة إلى ابن عمه الشيخ غثيث الحرجان، يطلب فيها سبع أو عشر ليرات ذهبية صاغ أصلية، وفهم الشيخ
غثيث مضمون الرسالة، وأرسل الرجال األكفاء بقيادة حبشان بن َكاطع إلى السراي فاشتبكوا مع الحامية وقتلوا اثنين من الحراس
وحرروا الشيخ شعالن ..
وكانت هذه العملية هي الشرارة األولى التي فجرت ثورة العشرين ومن ثم انتشرت إلى بقية مناطق الفرات األوسط وباقي أنحاء
العراق، ولم يكن يوم الثالثين من حزيران هو ساعة الصفر التي كان يريدها الشيخ الميرزا الشيرازي إلعالن الثورة بسبب عدم أخذ
االستعدادات الكافية للثورة..
وقد جرت المعارك والمناوشات في الرميثة لعدة أيام، ومن باب الحرص على الثوار من بطش القوات البريطانية وخوفاًمن وأد الثورة
في مهدها بسهولة فيما لو ظلت المعارك الطاحنة محصورة في تلك المنطقة فقط، لذلك قرر الشيخ الشيرازي التوسط إليقاف القتال
لكي يهيئ للثورة المزيد من التعبئة العسكرية والشعبية وتوحيد العشائر التي كانت على خالف فيما بينها..
فأرسل الشيرازي مبعوثين إلى بغداد لمقابلة الحاكم المدني "ويلسن" الذي وافق على إجراء المفاوضات لكسب الوقت وتعزيز القدرات
العسكرية البريطانية من جانبه أيضاً، وقد وضع مبعوثا الشيخ الشيرازي شرطين إليقاف القتال هما: سحب القوات البريطانية من
مناطق القتال، وإعالن العفو العام وإطالق سراح المنفيين وعودتهم إلى ديارهم، وكانت صحف الثوار آنذاك تطالب بإطالق سراح
المنفيين، ولكن بريطانيا رفضت هذه الشروط وانتهت المفاوضات بالفشل، عند ذلك أصدر الشيخ الشيرازي فتواه الشهيرة التي نصت
على أن "مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويحق لهم ضمن مطالبهم رعاية السلم واألمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا
امتنع اإلنكليز عن قبول مطالبهم."
بعد إطالق شرارة ثورة العشرين في الرميثة، اندلعت المناوشات بين الثوار واإلنكليز وقد حصلت عدة معارك هناك يومئذ والتي منها:
معركة البو حسان، والعارضيات األولى والثانية، وقد تم قصف بلدة الرميثة ألول مرة بالطائرات أثناء المواجهات، وكانت هذه
المواجهات بين كر وفر ولم تنجح جميع الوساطات التي بذلت من أجل إنهائها..
وقد قام الثوار ومن انضم معهم بحصار الحامية اإلنكليزية الموجودة في الكوفة والتي كان يقدر عدد أفرادها بـ 750 شخصاً مؤلفة من
الجنود، الشبانة، الشرطة والموظفين وكان يرأس الحامية الميجر نوربري، وقد كانت الطائرات اإلنكليزية تقوم باإلغارة على الكوفة
طيلة مدة الحصار على الحامية، وفي يوم 24 تموز ألقت إحدى الطائرات ثالث قنابل على جامع الكوفة الكبير فأدى ذلك إلى مقتل
العديد من الناس الذين كانوا متواجدين في الجامع..
وأعلنت الثورة في مدينة النجف في يوم 21 تموز، وعند إعالن الثورة في المدينة انسحب معاون الحاكم السياسي للمدينة حميد خان
من السراي الحكومي بهدوء وبدون أي مشاكل..
وأصبحت مدينة النجف بعد إعالن التمرد تحكم نفسها بنفسها شأنها شأن جميع المدن العراقية التي أصبحت ال تخضع لسلطة اإلدارة
البريطانية المتواجدة في العراق، وقد تمت مبايعة الشيخ فتح هللا األصفهاني لكي يكون المرجع األعلى بعد وفاة الشيخ محمد تقي
الشيرازي وذلك في شهر آب..
انتهز الحاكم البريطاني على العراق آرنولد ويلسون هذه المناسبة وأرسل رسالة إلى الشيخ فتح هللا األصفهاني وذلك بعد انتقال المرجعية
الدينية له في يوم 27 آب يعرض فيها الصلح..
وعند وصول رسالة ويلسون إلى األصفهاني، استدعى األخير حاشيته ومستشاريه للمداولة في األمر، وعندها انقسم الجمع إلى فريقين،
فريق يريد المفاوضة مع اإلنكليز لغرض الصلح وفريق رفض ما عرضه ويلسون، وقد اشتد الجدال بين الفريقين وكانت الغلبة
للرافضين للمفاوضات مع اإلنكليز حيث أرسل الشيخ األصفهاني رسالة إلى ويلسون يعلن فيها رفضه للصلح..
قاطع بغداد
لم تكن بغداد بمعزل عما يدور من أحداث وسط العراق وجنوبه وشماله، ففي رمضان عام 1920م اجتمع شيوخ وأعيان وشعراء
وأدباء ومثقفون في بغداد بجامع الحيدر خانه بشارع الرشيد، وقاموا بإلقاء الخطب وقصائد الشعر الحماسية، وحررت كتب تحض
على الثورة ونصرة المنتفضين، فتحركت العشائر لذلك وصمموا على قطع طريق سكة الحديد بين بغداد والسماوة لقطع إمدادات الجيش
للثوار للتضامن مع الثورة..
البريطاني القادمة من البصرة، وكانت جوامع بغداد وحسينياتها وبخاصة في الكاظمية منبرا كما كان ً حراً
لثورة العشرين وأحداثها اليومية صدى واسع في الصحف العالمية والتي قامت بنشر جملة من أحداثها..
المواجهات العسكرية التي اندلعت بين ثوار الشعب العراقي وقوات المحتل البريطاني وخصوصاً في أشهرها الثالثة األولى كانت
مرعبة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وحسب إحصائيات قيادة القوات البريطانية في العراق فإن عدد اإلصابات في مجاميع الثوار
![](https://i.ytimg.com/vi/Z3tbAIYCZzQ/maxresdefault.jpg)