المطربة الريفية سورية حسين.ورحلة الشقاء بعد الشهرة
المطربة الريفيه سورية حسين صاحبة الصوت الجميل القوي اشتهرت بين مطربات الريف العراقي لقوة صوتها وموهبتها الفطرية الفريده في غناء المواويل والابوذيات والعتابة والغناء الطربي الجميل .
انطلق صوتها لأول مرة من راديو بغداد في اوائل صيف 1963 تحت أسم( بنت الريف) بأغنية (بسكوت اون بسكوت) وكان لهذه الاغنية صدى واسعا عند جمهور المستمعين حيث عمدت اذاعة بغداد اعادت بثها عددا من المرات في اول يوم اذيعت فيه تلك الاغنية والتي كانت فاتحة عهد لهذا النوع من الغناء الذي أنتشرت فية الاغاني الريفية على مستوى الاذاعة والتلفزيون وبعد ثورة 1963 ولم تكن تذاع قبل هذه الفترة حيث لم يكن يسمح قبل هذا التاريخ لهذا النوع من الاغاني بالبث من خلال اذاعة وتلفزيون بغداد وهذا يفسر التحول السياسي والفكري لمراحل الحكم في العراق بأنتشار الوان الغناء الريفي على المستوى السمعي والمرئي جنباً الى جنب مع الوان الغناء البغدادي .. وبعد اذاعة اغنياتها من أذاعة بغداد لاقت شهرة واسعة واصبحت حاضرة في حفلات الاعراس والمناسبات الخاصة للمجتمع البغدادي وبصحبتها بناتها من الراقصات الغجريات
ظهرت سورية حسين كصوت جميل في الاذاعة العراقية في بداية الستينيات وكان الجمهور يستمع لصوتها بشغف واطربت الملايين، تميزت من بين الاصوات النسائية من بنات جيلها. واول من قدمها الموسيقار الراحل جميل بشير وسجل لها مجموعة اغان، نالت شهرة واسعة منها اغنية: نا وياك واغنية مايكفي دمع العين يا بويه. كلمات جودت التميمي والحان رضا علي وغنتها فائزة احمد بغير لحن واغنية يمه يا يمه واغنية عشوملي نارك ولاجنة هلي . واغنية يا ماخذات الولف وغيرها..من الاغاني التي اختفى تسجيلها من مكتبة الاذاعة من جراء القصف ابان الحرب الامريكي على العراق. وكان لصوتها شجن متفرد يجذب البهجة والطربية للمستمع العراقي .
ويروي الملحن العراقي الرائد الاستاذ صباح زيارة يقول :
في نهاية تسعينيات القرن العشرين كنت اقدم ( برنامج سوالف طرب ) يعنى بالاصوات العراقية من على شاشة تلفزيون العراق . كان من اعداد الاستاذ عادل العرداوي واخراج د.علي حنون .وقد علمنا ان الفنانة الكبيرة سورية حسين لاتزال على قيد الحياة وقد طواها النسيان وقد اختفت اخبارها عن الناس. فقررنا ان نبحث عنها ونسجل حلقة عن حياة هذه الفنانة الكبيرة . فذهبنا انا والمعد والمخرج الى النهروان عندما علمنا ان الفنانة سورية حسين تسكن تلك المنطقة التي تقع على اشراف حدود العاصمة بغداد والخالية تمامآ من اي خدمات بلدية يسكنها الفقراء والمعدومين .
وعندما وصلنا للعنوان وجدناها تسكن في بيت متهالك لايصلح للسكن البشري ولايليق بفنانة كبيرة لها تاريخ فني كبير كانت نجمة مشهورة باغنياتها التي لم تغادر الذاكرة للمستمع العراقي والعربي ومن المطربات العراقيات الاتي لهن صدى وشهرة واسعة انذاك .
فعندها رآينا امرآة كبر سنها وتغيرت ملامحها وضعف بصرها لفقر حالها . تعتاش من بيع السكائر المفرد في الطرقات لكونها لا تملك راتبآ تقاعدي واي وسيلة اخرى تسد حاجتها ومتطلبات العيش.
وقد حاورها المعد الاستاذ عادل العرداوي وكان حديثها شيق يملائه الحزن والعتب على جمهرها والحكومات المتعاقبة ومسولين الفن والمؤسسات الفنية الاخرى لعدم تذكرها واعانتها على ضنك العيش. وقد روت لنا احداث فنية عاشتها بابها الصور. ورغم انها تعيش في دوامة هذا الحزن الا انها بشوشة وحلوة اللسان وطيبة المعشر تحاونا بكل هدوء . والغريب عندما طلبنا منها ان تغني كانت المفاجئة عندما غنت لنا . فقد كان صوتها يتمتع بنفس القوة والجمال رغم كبر سنها وقسوة الحياة وضنك العيش. ثم قررنا ان نسجل لها حلقه وكانت مميزة لاقت صدى كبير بين المشاهدين وقد ناشدنا المسؤلين ونقابة الفنانيين التكفل برعايتها ولكن دون جدوى .
لقد كان الفنانون يتقاضون راتباً شهرياً من الدولة آنذاك تشجيعاً للفنان لكن المطربة سورية حسين لم تتقاض راتباً وﻻ تعرف لمن تذهب لكي تحصل على الراتب قلت لها اذهبي الى احد المسؤولين في وزارة الثقافة وذهبت الى استعلامات وزارة الثقافة، لكن مسؤولة الاستعلامات طردت سورية حسين لما شاهدتها بملابس رثة وكبيرة في السن اعتقدت انها متسولة، وفي المصادفة كنت ذاهباً الى الوزارة فوجدت سورية حسين جالسة على الرصيف المقابل للوزارة وهي تبكي بحرقة.. قلت لها لماذا تبكين؟
قالت طردتني (موظفة الاستعلامات) ذهبت معها الى الاستعلامات وبين حشود المراجعين، رفعت صوتي، لماذا تطردين هذه الفنانة الكبيرة؟ قالت ومن هي الفنانة الكبيرة ؟ قلت لها هذه سورية حسين، تألمت مديرة الاستعلامات وبكت وذهبت لها وقبلتها واعتذرت منها بعبارات طيبت خاطرها.
ثم اتصلت بالمسؤول عن تنظيم القوائم وكان يعشق صوت سورية حسين، بشكل ﻻ يوصف ولما عرف أنها موجودة في الاستعلامات، نزل مسرعاً، لكي يستقبلها وعندما شاهدها، قبلها ثم ادرج اسمها ضمن قوائم الفنانين كي تتقاضى راتباً شهرياً، لكن لم تكتمل فرحتها، لانها غادرت الحياة ولم تتسلم استحقاقها الذي وعدت به.
هكذا هو المبدع العراقي عندما يغيب او يحدث له مكروه او يكبر في السن وياكله الفقر والمرض ليس هنالك من يسال عنه لامن الدولة ولا من اقرب الناس له . وهذا حال اغلب مبدعينا الذين يموتون تحت خط الفقر يعانون الاهمال والعوز . وانا اعتبرها وصمة عار على الحكومات التي لم ترعى مبدعيها وعلمائها وورموزها الادبية والرياضية والعلمية والفنية وبكافة المجالات التذين كان لهم منجز يذكر .
رحلت الفنانة الكبيرة سورية حسين بعد رحلة الشهرة والاضواء الى رحلة الفقر والشقاء وضنك العيش في بلد يعتبر من اغنى بلدان العالم اقتصاديآ يقع على بحيرة من نفط وخيرات لاتحصى.
ولم يكن هذا حال الفنانة سورية وحدها بل كان ومازال المشهد يتكرر لمبدعينا وعلمائنا ليومنا هذا .
رحم الله الفنانة سورية حسين.
