فاجأت الحرب الإريترية الإثيوبية 1998-2000 العالم، حيث إن العلاقات بين الجبهتين الحاكمتين في أسمرا وأديس أبابا كانت نموذجًا يُساق حينها للدلالة على القدرة على تخطي آثار الاستقلال الإريترية عن إثيوبيا (1961-1991)، وللقدرة على نسج تحالف استراتيجي امتد لما يقارب ربع قرن بين ثوار تحولوا إلى حكام، شكلوا حينها جزءًا من مشروع أمريكا المعروف بـ«القادة الأفارقة الجدد»، ضمن خطتها لخلق شراكة جديدة في القارة السمراء.
غموض أسباب هذه الحرب أدى إلى إطلاق العديد من التسميات المعبرة عن عبثيتها، حتى وصفت بأنها صراع بين أصلعين على مشط، والمشط المقصود هو قرية بادمي التي كانت تحت سيطرة إثيوبيا ودخلتها القوات الإريترية في فبراير/ شباط 1998، وسيق هذا الخلاف الحدودي سببًا لأحد أعنف حروب القارة الأفريقية، لكن المسكوت عنه هو تفاعل مجموعة عوامل تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية أدت إلى ذلك الانفجار الدامي.
العلاقات بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تجراي
شهد عام 1961 اندلاع الثورة الإريترية المسلحة ضد نظام الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، الذي احتل بلادهم التي مثلت شواطئها الأمل الوحيد لإثيوبيا الحبيسة في الوصول إلى البحر الأحمر، وفي عام 1975 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير تجراي (TPLF) في إثيوبيا بعد خيبة الأمل في تغيير سياسي جوهري على يد المجلس العسكري الذي انقلب على الإمبراطور العجوز، وكان من الطبيعي لجوؤها إلى الثورة الإريترية التي كانت تعيش انقسامات بين مجموعة من الفصائل، حيث احتضنتها الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا (EPLF) واعتبرتها أداة لنقل التمرد إلى الداخل الإثيوبي، ساند ذلك عوامل عرقية ثقافية؛ حيث يحادد إقليم تجراي مناطق المرتفعات الإريترية وينتشر على جانبي الحدود إثنية التجرينية التي ينحدر منها الكثير من القيادات البارزة المؤسسة في الجبهة الشعبية الإريترية، والتي تعد المكون الإثني الجوهري في نظيرتها التجرية.
شمل الدعم الإريتري للجبهة التجرية الناشئة المجالات العسكرية والتنظيمية واللوجستية وإعداد الكوادر السياسية إلى غير ذلك، وكان لهذا الاحتضان آثاره السلبية التي تكشفت في وقت لاحق.
وبينما عدت الجبهة الإريترية نفسها حركة تحرر من الاستعمار تهدف لاستقلال إريتريا بإثنياتها التسع، فقد كانت نظيرتها التجرية تعلن أنها تعمل لإنشاء دولة قومية للتجراي بعد الانفصال من إثيوبيا، وقد أثرت هاتان الرؤيتان المتباينتان على العلاقات بين الطرفين قبل استقلال إريتريا بشكل أساسي، لتوجس الإريتريين من أن يحرض ذلك إثنيات إريترية على المطالبة بالمثل، ولا سيما عند النظر إلى وجود مجتمعات مشتركة على طرفي الحدود.
البراجماتية السياسية والضرورات العملية أدتا بالجبهتين إلى مواصلة التنسيق، لا سيما مع ظهور مؤشرات قرب انهيار النظام الإثيوبي، الذي جرى بالفعل في مايو/ آيار 1991 وحملهما إلى سدتي السلطة في أسمرا وأديس أبابا، وشهد البلدان أجواء ملؤها التفاؤل المسنود بالعديد من الاتفاقيات، كاتفاقية أسمرا للتكامل الاقتصادي 1993 وبروتوكولاتها الهادفة إلى إنشاء سوق مشتركة تمهد للتكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة.
المصادر
[ Ссылка ]
![](https://i.ytimg.com/vi/wsiPHlo6cn0/maxresdefault.jpg)